منتديات المرقاب الأدبية

منتديات المرقاب الأدبية (http://www.montada.mergaab.com/index.php)
-   ..: المرقاب للأدبِ والثّقَافَةِ :.. (http://www.montada.mergaab.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   العكـــــــاااااااااااز ! (http://www.montada.mergaab.com/showthread.php?t=1786)

قهر يزيد 11-09-2002 01:33 PM

العكـــــــاااااااااااز !
 
استعرض المسافات والشوارع ..
تصفح وجوها يعرفها وأخرى ينكرها ، توقف عند وجهٍ غريب ، يعرفه وينكره في آن !
وجه صغير بدا له كالصحراء الواسعة ، قطع مسافاتٍ ليصل إلى عينيه ، وهناك أقسم بأنه ظله الذي لا يفارقه !

ظله الذي يحافظ على حجمه و ألوانه ، ولا يستقل عنه إلا في ذراتٍ مسحوقة من فتات المبادئ التي كانا يتغذيان عليها يوما !

ابتسم وهو يتذكر معلم اللغة العربية وكيف كان يفاضل بينهما ليجد صديقه متفوقا عليه في ( جسم البغال ) ومتخلفا عنه في ( أحلام العصافير ) ! لكنهما كانا يضعان نقطهما الخاصة على حروف المقارنة ليجدا نفسيهما دوما متفوقين على نفسيهما بالسوء المطلق ، سوء الطالع ، سوء الظروف ، سوء القبول لدى الآخرين ، سوء الأمس واليوم والغد ...... وهلّم سوءا !
تنهد .. التفت يسارا كمن يتهرب من شخص يمثل أمامه .. تأفف .. ضغط بإبهامه الأسمر الدقيق بين حاجبيه ، وأخذ يعتصرذاكرته ويتأمل صورا مختزنة مع ذلك الصديق !
لم لم ينسَ ؟!

تذكر كيف تم تحديد أماكن إقامتهما .. وتوقف كثيرا عند تنازلاته العديدة :
_ كنت تتعلل بكراهيتك الشديدة للحشرات ، ومن ذا يحبها ياسيدي ؟!

ماذا وتكره الإزعاج .. فهمت ، طبعا لأنك لاتستطيع النوم تحت وطأة دبيب النمل ، وماذا بعد ؟! نعم عندما تزورني يتعبك الصعود والنزول أسهل !
أحبك .. ولن أسأل أحدا عن صحة كلامك .. يكفي أنك تريد هذا .. لك ماتريد .. سأتمتع بالجناح الأرضي .. وطر أنت للعلوي !

عاد للنظر أمامه .. أحاط ذقنه الصغيرة بيده .. وبدأ بتحسس الشعيرات المتفجرة مؤخرا ، يتحسسها في ذهول ، قفزت إذ ذاك صورة المدرسة من ذاكرته المجهدة إلى مخيلته الأكثر إرهاقا دون أن يقاومها .. فتح عينيه مبهورا .. بابها الأخضر مفتوح على مصراع واحد ، وكرسي البواب دون بواب ، دخل ، اتجه فوراإلى مكتب المدير إثر استدعائه له ، كان خائفا يرتعد ، العرق يتصبب منه ، التلعثم يعلو كلماته ، ومعه دون شك ظله القديم ، لم يدخلا غرفة المدير أبدا ، لم يدخلها إلا مذنب لتلقي العقاب !

كان المدير منهمكا ، لم يقفا طويلا ، وجودهما غير مرغوب فيه ، كانا يصطرعان الحيرة ، ليس جديدا ، لكن أسئلة المدير زادت من حيرتهما كان يسأل عن سبب وجيه لتغيبهما المتزايد ورغبتهما في ترك المدرسة ، كانت المرة الأولى التي يسمع فيها كلمة ( وجيه ) كم فرح بها وشعر بأهمية خاصة ، حيث يفترض المدير إن لديه شيئا وجيها !

تذكر وجه المدير بكامل تفاصيله وتعرجاته ، نظارته ذات الإطار الأسود ومكتبه العريض ، والمهم ذلك الكرسي الدوار ، كم تمنى أن يجلس عليه ، يمرح بالدوران لكنها مسألة بعيدة كملامح المدير !

_ كنت ياسيدي المديرتؤدي واجبك ، سؤال يفرض عليك أن تتقيأه وجواب علي أن أتوسلك به ! وعليّ ألآ أعطلك فوقتك لايسمح بالكثير !

ويعيد سؤال المدير بنبرات الاشمئزاز :
_ هل درست قرارك قبل الإقدام عليه ؟!
_ لا لم أدرسه ، هل كان ثمة مقرر اسمه دراسة القرار ؟!

ثم إنني أغادر المدرسة لئلا أدرس شيئا !
وهل كنت أهرب من دراسة الفقه والحساب لأدرس قراري ؟! مضحك ..

كنت خجلا منك وقتها ، ليس منك بالذات - إن أردت الحق - بل من جيشك المخيف !

كرسيك الدوار ، مكتبك الكبير الفارغ ، بالأخص تلك العدسات التي تشنق كل صباح على أذنيك ، كانت تشعرني أنك تعرف كل شيء عن كل شيء !

كنت أحسها تخترقني كالنار، تجعلني أبدو شفافا حتى أنني لاأستطيع إخفاء اتجاهات سير دمي عنك ، ولهذا لم أجب !

لقد كنت أكره الاستيقاظ في الصباح الباكر، أكره مصارعة النوم لعيون المدرسة ، ذلك المجتمع الذي تحسن مسخه في مربعات ومستطيلات ، ماذا كنت تسميها ؟!
جدول ، هه ، جدول يتدفق مللا وجمودا !
وتعب تعب !

مرت سنوات عجلى ، عرفت كيف تقذف بهما على الرصيف !
أثقل الحمل تلك السلاسل المعلقة على ظهريهما كمسبحة شيخ دائم التسبيح !

اتخذا من سلم إحدى العمارات مسكنا ، وبنيا جدارا من لحاف قديم اقتسماه فأصبح لأحدهما الجزء الذي كتب فيه ( صباح ) والآخر ( الخير ) وتذكر النقاش الذي دار بينهما ، أيهما يحظى ( بصباح ) وكيف أنه تنازل لظله متذرعا برغبته في الحفاظ علىوقار المكان الأكثر ارتيادا !

مرت على عينيه وأذنيه تأففات السكان !
ألقى نظرة على كرة قديمة يستخدمها كوسادة ، وتذكر حلمه الطفولي باللعب بالكرة كأطفال الشارع الذي أضاعا فيه الطفولة ، وكيف أنه لم يسمح له بركل الكرة إلاعندما تبتعد لإعادتها فقط !
وعندما دهست الكرة ورماها اللاعبون ملآها بالجرائد ولعبا بها !

أغمض عينيه قليلا ثم امتعض مقشعرا كمن يتجرع الحنظل ، تذكر كيف هوى صديقه من السلم فكسرت يده ورجله ، سد أذنيه لئلا يسمع دوي السقطة ثانية ، فتح عينيه ، تساءل :
_هل أصيبت معدته أيضا ؟! لماذا يرفض ماأقدمه من طعام ؟!
لقد قدمت ماأمكنني ، أبدلته مكاني لعدم قدرته على الصعود !

وقرر زيارته والتخفيف من حزنه فنزل إليه ، وإذا بصاحب الشقة العلوية ينزل أيضا ، فوجئ بأن كليهما يقصد صديقه ، تراجع ، رأى الجار يخص صديقه بصحن ورقي كان يحمله ، فأجاب على تساؤله وعاد أدراجه !
في الصباح أراد الخروج لمسح السيارات كالمعتاد ، تكرر موقف البارحة مع جار آخر !

وعندما خرج تلقفته الأسئلة عن زميله المكسور الذي أصبح لايمشي إلا بعكاز !
الكثيرون شعروا بالحسرة والمرارة على ذلك الشاب المكسور !
راقه الأمر !

رأى في أعينهم عطفا مارآه من قبل !
اكتشف شهرة زميله وتعاطف الناس معه ، أصبحوا ينادونه باسمه ، تساءل :
_ كيف عرفوه ؟!

فرح بالوظيفة التي حظي بها صديقه ، بوابا لمدرسة أحد الجيران !

تقاطرت في حلقه أمطار من المرارة الجديدة ، غص بعبرته ، تسلقت دمعة صافية سلم رموشه ورمت نفسها على الأرض مباشرة ، دون أن ترسم مسارها على خده الكالح ،ابتلع ريقه ، صرخ دون صوت ، ضرب الأرض برجله :
_ لماذا كل هذا ؟!

كره البقاء في الشارع أكثر .. ركض إلى البيت واطئا - دون شعور - على أثر دمعته على الأرض .. ركض كمن يطارده عدو شرس ..صعد بسرعة وضجة .. جلس ..
يستعرض المسافات والشوارع .. يتصفح وجوها يعرفها وأخرى ينكرها .. وقف :

_ إليك بقراري المدروس ياحضرة المدير..
أغمض عينيه .. ركض باتجاه السلم !!

عناد النفيعي 11-09-2002 03:40 PM

اهلاً...... قهر يزيد
 
في ............... مقتل هذه المره :)



تحياتي

قهر يزيد 17-09-2002 01:35 PM

القدير سلطان


:)


ممتنة لجميل الحضور ...

وقاتل التعليق :)


دمت بخير

قهر يزيد 29-08-2007 02:16 PM

من مواضيع : قهر يزيد
مساااااااء الورد والياسمين ....
بوح القصيد وليس بوح الخفوق
ايميل بوح الخفوق
بوح الخفوق


؟؟؟


ثمة خلل فني

جمال الربيعي 29-08-2007 02:54 PM

شكراً لك قهر وشكراً لهذا الخلل الذي أعاد لنا هذا العكاز

قصة صاغها الإبداع

وصورها الجمال


تحياتي وتقديري لهذا الخيال الخصب







.

مشعل الفوازي 30-08-2007 01:34 AM

0
0
0

حقيقة لا أعرف ماهي المشكلة الفنية 000

الذي أعرفه أن هذه الدرر كانت في طي الارشيف ، ولو قدّر لي أن أرتكب خطأ يعيدها للواجهة لما ترددت 00

خالد الحارثي 30-08-2007 02:03 AM

الاخت قهر يزيد


يعطيك العافيه

نص ثري بالابداع


صح فكرك


.

فهد بن عبدان 02-09-2007 01:18 PM

بما انك دئما تقولين القدير / فهد بن عبدان :)

انا بقول


القديــــره / أم آسر


شكرا على كل مايحمله هذا المتصفّح من جمال



اسلمي وسلّمي:)

عدنان مرضي 16-09-2007 11:31 AM

*****

قهر يزيد


لك كل الشكر على هذا الإثراء

دمتي بود

*****

قهر يزيد 25-04-2008 07:23 PM

[align=center]
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جمال الربيعي (المشاركة 751103)
شكراً لك قهر وشكراً لهذا الخلل الذي أعاد لنا هذا العكاز

قصة صاغها الإبداع

وصورها الجمال


تحياتي وتقديري لهذا الخيال الخصب







.




.



الفخر جمال الربيعي

كل الاعتزاز بحضور الربيع

تحياتي وتقديري
.
[/align]

فالح الهاجري 26-04-2008 10:25 AM

القديرة

أم آسـر

______________

ربما كان الإستيعاب ( لديّ ) ـ أقلّ من زخم الإبداع في هذه القصّة القصيرة ـ
قرأتها عدّة مرات وأيقنت أن كتابتها تحتاج إلى ( عقل ) كبير جداً يستطيع الإحاطة بكل هذا ( الزمان ) و ( المكان )
و ( الأقوال ) و ( الأفعال ) وتسطير ردود الأفعال و نسج كل هذه ( الخيوط ) للخروج بلوحة فنيّة رائعة ..

لكنّني عجزت عن قراءة ما بين السطور :(


خالص التقدير والإحترام ــ


ــ

مناحي الفرزه 26-04-2008 11:25 AM

قهر يزيد ....؟


كاتبه وشاعر .................... رائعه في الاتجاهين


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 01:40 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
شبكة المرقاب الأدبية