يروي الدكتور معروف الدواليبي يرحمه الله هذا اللقاء الهام بين الجنرال ديجول والملك فيصل بن عبد العزيز يرحمه الله قبيل حرب حزيران (1967م) ......
وكان الدكتور معروف الدواليبي يعمل بصمت على طريقته يرحمه الله ، يقول الدكتور الدواليبي ( ص 201) من مذكراته :
(( أنا لي تجربة مع الجنرال ديجول من يوم قضية استقلال سوريا ، مع أنه كان محاطاً بعناصر يهودية ( صهيونية ) ....و ديجول عندما يعرف الحقيقة يغيــّر مواقفـه ، ولذلك كنت حريصاً على لقاء الملك فيصل بـه ، وألححت في ذلك وأصررت . ))
وكانت هناك رواسب قديمة لدى الملك فيصل وولي العهد الأمير خالد ، وموقف سلبي من ديجول منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، وتابع الدكتور الدواليبي ، إصراره على اللقاء حتى كان الملك فيصل في زيارة لانجلترا ، ومنها إلى بروكسل ، وكان ديجول يرى نتيجة لمساعي الدكتور الدواليبي ألا تكون دعوة رسمية لفيصل ، وإنما يخرج من بروكسل ، ويمر في طريقه بديجول ، فرفض الملك فيصل وأصر أن تكون دعوة رسمية ، لذلك تجاوز الملك فيصل باريس إلى جنيف ثم عاد منها إلى باريس ، وفي اليوم الأول أو الثاني من حزيران (1967) كان لقاؤه مع الجنرال ديجول ، ومعه الأمير سلطان والدكتور رشاد فرعون حيث جلسا مع رئيس وزرائه السيد جورج بومبيدو ، وبدأ الاجتماع بين الرجلين فيصل وديجول ومترجم :
قال ديجول : يتحدث الناس أنكم ياجلالة الملك تريدون أن تقذفوا بإسرائيل إلى البحر ، وإسرائيل هذه أصبحت أمراً واقعاً ، ولايقبل أحد في العالم رفع هذا الأمر الواقع .
أجاب الملك فيصل : يافخامة الرئيس أنا أستغرب كلامك هذا ، إن هتلر احتل باريس وأصبح احتلاله أمراً واقعاً ، وكل فرنسا استسلمت إلا ( أنت ) انسحبت مع الجيش الانجليزي ، وبقيت تعمل لمقاومة الأمر الواقع حتى تغلبت عليه ، فلا أنت رضخت للأمر الواقع ، ولا شعبك رضخ ، فأنا أستغرب منك الآن أن تطلب مني أن أرضى بالأمر الواقع ، والويل يافخامة الرئيس للضعيف إذا احتله القوي وراح يطالب بالقاعدة الذهبية للجنرال ديجول أن الاحتلال إذا أصبح واقعاً فقد أصبح مشروعاً ...
دهـش ديجول من سرعة البديهة والخلاصة المركزة بهذا الشكل ، فغير لهجته وقال :
ياجلالة الملك يقول اليهود إن فلسطين وطنهم الأصلي وجدهم الأعلى إسرائيل ولد هناك ..
أجاب الملك فيصل : فخامة الرئيس أنا معجب بك لأنك متدين مؤمن بدينك ، وأنت بلاشك تقرأ الكتاب المقدس ، أما قرأت أن اليهود جاءوا من مصر !!؟ غـزاة فاتحيـن ...حرقوا المدن وقتلوا الرجال والنساء والأطفال ، فكيف تقول أن فلسطين بلدهم ، وهي للكنعانيين العرب ، واليهود مستعمرون ، وأنت تريد أن تعيد الاستعمار الذي حققته إسرائيل منذ أربعة آلاف سنة ، فلماذا لاتعيد استعمار روما لفرنسا الذي كان قبل ثلاثة آلاف سنة فقط !!؟ أنصلح خريطة العالم لمصلحة اليهود ، ولانصلحها لمصلحة روما !!؟ ونحن العرب أمضينا مئتي سنة في جنوب فرنسا ، في حين لم يمكث اليهود في فلسطين سوى سبعين سنة ثم نفوا بعدها ...
قال ديجول : ولكنهم يقولون أن أباهم ولد فيها !!!...
أجاب الفيصل : غريب !!! عندك الآن مئة وخمسون سفارة في باريس ، وأكثر السفراء يلد لهم أطفال في باريس ، فلو صار هؤلاء الأطفال رؤساء دول وجاءوا يطالبونك بحق الولادة في باريس !! فمسكينة باريس !! لا أدري لمن ســـتكون !!؟
سكت ديجول ، وضرب الجرس مستدعياً ( بومبيدو ) وكان جالساً مع الأمير سلطان ورشاد فرعون في الخارج ، وقال ديجول : الآن فهمت القضية الفلسطينية ، أوقفوا السـلاح المصدر لإسرائيل ... وكانت إسرائيل يومها تحارب بأسلحة فرنسية وليست أمريكية ....
يقول الدواليبي :
واستقبلنا الملك فيصل في الظهران عند رجوعه من هذه المقابلة ، وفي صباح اليوم التالي ونحن في الظهران استدعى الملك فيصل رئيس شركة التابلاين الأمريكية ، وكنت حاضراً ( الكلام للدواليبي ) وقال له : إن أي نقطة بترول تذهب إلى إسرائيل ستجعلني أقطع البترول عنكم ، ولما علم بعد ذلك أن أمريكا أرسلت مساعدة لإسرائيل قطع عنها البترول ، في حين لم تقطعه ( الدول الثوروية ) كالعــراق والجزائر وليبيا ، الذين قطعوا النفط هم عرب الخليج فقط ( الكلام للدواليبي ) ، وقامت المظاهرات في أمريكا ، ووقف الناس مصطفين أمام محطات الوقود ، وهتف المتظاهرون : نريد البترول ولا نريد إسرائيل ، وهكذا استطاع هذا الرجل ( الملك فيصل يرحمه الله ) بنتيجة حديثه مع ديجول ، وبموقفه البطولي في قطع النفط أن يقلب الموازين كلها .
انتهى كلام الدواليبي ....
فائده
من هو الدواليبي؟؟
هو الدكتور معروف احمد الدواليبي سياسي كبير من رجالات سورية المعروفين في العالم العربي والإسلامي...
ولد في مدينة حلب في التاسع والعشرين من مارس 1909، ونشأ فيها، حيث أكمل تعليمه الابتدائي والثانوي، فحصل على شهادة في الشريعة والعلوم الإسلامية من (المدرسة الخسروية) في حلب. ثم حصل على (الليسانس) في الحقوق و(الليسانس) في الآداب من جامعة دمشق، ثم سافر إلى فرنسا فحصل فيها على دبلوم في الدراسات العليا في الحقوق الرومانية، وعلى الدكتوراه في الحقوق، وعلى دبلوم في الحقوق الكنسية من جامعة باريس. عمل أستاذاً في كلية الحقوق بدمشق، ورئيساً لقسم تاريخ القانون والحقوق الرومانية في الكلية نفسها، وأستاذاً في كلية الشريعة بجامعة دمشق، وله العديد من المؤلفات باللغة العربية والانجليزية والفرنسية، وكذلك تحقيقات علمية.
عمل خلال حياته السياسية نائبا لحلب في مجلس النواب السوري خلال الفترة 1947 ـ 1963، وزير الاقتصاد الوطني 1950، رئيس مجلس النواب في 1951، رئيس الوزراء ووزير الدفاع في أواخر عام 1951، وزير الدفاع الوطني في عام 1954، رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية في أواخر عام 1961 وأوائل 1962، ضيف المملكة العربية السعودية ومستشار في الديوان الملكي منذ عام 1965. ساهم في العديد من المؤتمرات منها: رئيس مؤتمر العالم الإسلامي منذ سنة 1975، وهو مؤتمر مسَجَّل لدى الأمم المتحدة بصفته هيئة مراقبة دولية واجتماعية. رئيس وفد سورية الحكومي إلى حلقة الدراسات العربية والاجتماعية الدولية عام 1950. ممثل جامعة دمشق في مؤتمر أسبوع الفقه الإسلامي الدولي عام 1951 في باريس، بدعوة من مؤسسة الحقوق الدولية المقارنة في (لاهاي). عضو المؤتمر العام الأول لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة عام 1965. رئيس وفد الشعوب العربية في المؤتمر الأول للشعوب الإفريقية والآسيوية في نيودلهي عام 1955، عضو في الوفد السوري الحكومي إلى المؤتمر الأول الدولي لدول عدم الانحياز في: باندونغ: (إندونيسيا) عام 1955، عضو في الندوات العلمية الدولية، حول الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان في الإسلام، المعقودة أولاً في الرياض، ثم في باريس، ثم في الفاتيكان، ثم في مجلس الكنائس العالمي في جنيف، ثم في مجلس وزراء الوحدة الأوروبية في ستراتسبورغ منذ عام 1973 حتى أواخر عام 1974. عضو في مؤتمر رسالة المسجد الدولي في مكة المكرمة عام 1395هـ الموافق 1975م، عضو في المجلس الأعلى العالمي الدولي للمساجد في مكة المكرمة منذ عام 1395هـ الموافق 1975. عضو مراقب في مؤتمر وزراء الخارجية الإسلامي. رئيس منظمة (الإسلام والغرب) الدولية، ومركزها (جنيف) سويسرا منذ عام 1979 حتى نهاية شهر آب عام 1984. رئيس المجلس التنفيذي للمؤتمر الإسلامي العالمي الشعبي في بغداد منذ 1986 .
|