الموضوع: فوائد الذنوب ,,
عرض مشاركة واحدة
قديم 28-03-2009, 08:54 AM   #2
فهد الماجدي
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية فهد الماجدي
فهد الماجدي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1524
 تاريخ التسجيل :  Feb 2007
 أخر زيارة : 11-05-2014 (02:20 AM)
 المشاركات : 2,761 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 21352
لوني المفضل : sienna


[align=center]
ومنها: تعريفه سبحانه عبده سعة حلمه، وكرمهُ في ستره عليه، وأنه لو شاء لعاجله على الذنب ولهتكه بين عباده، فلم يطب له معهم عيش أبداً، ولكن جلله بستره، وغشَّاهُ بحلمه، وقيَّض له من يحفظه وهو في حالته تلك، بل كان شاهداً وهو يبارزه بالمعاصي والآثام، وهو مع ذلك يحرسه بعينه التي لا تنام.

وقد جاء في بعض الآثار:" يقول الله تعالى: أنا الجواد الكريم، من أعظم مني جوداً وكرماً، عبادي يبارزونني بالعظائم وأنا أكلوهم في منازلهم"؛ فأي حلم أعظم من هذا الحلم؟! وأي كرم أوسع من هذا الكرم؟!

فلولا حلمهُ وكرمهُ ومغفرتهُ لما استقرت السمواتُ والارضُ في أماكنها.

وتأمل قوله تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا }[فاطر:41]، هذه الآيةُ تقتضي الحلم والمغفرة، فلولا حلمه ومغفرته لزالتا عن اماكنهما، ومن هذا قوله تعالى :{ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا }[مريم:90].

ومنها: تعريفه عبده أنه لا سبيل له إلى النجاة إلا بعفوه ومغفرته، وأنه رهينٌ بحقه، فإن لم يتغمَّدهُ بعفوه ومغفرته و إلا فهو من الهالكين لا محالة، فليس أحدٌ من خلقه إلا وهو محتاجٌ إلى عفوه ومغفرته، كما هو مُحتاجٌ إلى فضله ورحمته.

ومنها: تعريفه عبده كرمه سبحانه في قبول توبته ومغفرته له على ظُلمه وإساءته، فهو الذي جاد عليه بأن وفقه للتوبة، وألهمه إياها، ثم قبلها منه فتاب عليه أولاً وآخراً، فتوبة العبد محفوفةٌ بتوبة قبلها عليه من الله إذْناً وتوفيقاً ، وتوبةٍ ثانيةٍ منه عليه قبولاً ورضاً، فله الفضل في التوبة والكرم أولاً وآخراً لا إله إلا هو.

ومنها: إقامة حجة عدله على عبده ليعلم العبد أن لله عليه الحُجة البالغة، فإذا أصابهُ ما أصابهُ من المكروه فلا يقال: أنَّى هذا؟ ولا: من أين أتيت؟ ولا: بأيَّ ذنب أصبتُ؟ فما أصاب العبد من مصيبة قط - دقيقة ولا جليلة - إلا بما كسبت يداهُ وما يعفو الله عنه أكثر، وما نزل بلاءٌ قط إلا بذنب ولا رُفع إلا بتوبة.

ولهذا وضع الله المصائب والبلايا والمحن رحمةً بين عباده يُكفِّرُ بها من خطاياهم، فهي من أعظم نعمه عليهم وإن كرهتها أنفسهم، ولا يدري العبد أي النعمتين عليه أعظم: نعمته عليه فيما يكرهُ؟ أو نعمته عليه فيما يحب؟

و"ما يصيبُ المؤمن من همٍّ ولا وصب ولا أذىً حتى الشوكة يُشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه" (4)، وإذا كان للذنوب عقوبات - ولا بد – فكل ما عوقب به العبد من ذلك قبل الموت خير له مما بعده وأيسر وأسهل بكثير.

_____________

(4) رواه- بنحوه – مسلم (2573)(52) عن أبي سعيد وأبي هريرة .

ومنها: أن يُعامل العبد بني جنسه في إساءتهم إليه وزلاتهم معه بما يحب أن يعامله الله به في إساءته وزلاته وذنوبه؛ فإن الجزاء من جنس العمل؛ فمن عفى عفى الله عنه، ومن سامح أخاه في إساءته إليه سامحه الله في إساءته، ومن أغضى وتجاوز تجاوز الله عنه، ومن استقصى استقصى الله عليه.

ولا تنس حال الذي قبضت الملائكة روحه، فقيل له: هل عملت خيراً؟ هل عملت حسنة؟ قال: ما اعلمه، قيل: تذكَّر، قال: كنت أُبايعُ الناس فكنت أُنْظِرُ المُوسرَ وأتجاوز عن المُعسر، أو قال: كنت آمرُ فتياني أن يتجاوزوا في السِّكَّةِ فقال الله: نحن أحق بذلك منك، وتجاوز الله عنه (5).

______________

(5) رواه البخاري (1971)ومسلم(1560) عن حذيفة، بنحوه.

فالله عز وجل يُعاملُ العبد في ذنوبه بمثل ما يُعاملُ به العبد الناس في ذنوبهم.

فإذا عرف العبد ذلك كان في ابتلائه بالذنوب من الحكم والفوائد ما هو انفع الأشياء له.

ومنها: انه إذا عرف هذا فأحسن إلى من أساء إليه، ولم يقابله بإساءته إساءة مثلها تعرض بذلك لمثلها من ربه تعالى، وأنه سبحانه يُقابل أساءته وذنوبه بإحسانه، كما كان هو يُقابل بذلك إساءة الخلق إليه، والله أوسعُ فضلاً وأكرمُ، وأجزلُ عطاءً، فمن أحب أن يقابل الله إساءته بالإحسان فليقابل هو إساءة الناس إليه بالإحسان، ومن علم أن الذنوب والإساءة لازمة للإنسان لم تعْظُم عنده إساءة الناس إليه.

فليتأمل هو حاله مع الله، كيف هي؟ مع فرط إحسانه إليه وحاجته هو إلى ربه، وهو هكذا له.

فإذا كان العبد هكذا لربه فكيف يُنكرُ أن يكون الناس له بتلك المنزلة؟!

ومنها: انه يقيم معاذيرُ الخلائق، وتتَّسع رحمته لهم، ويزول عنه ذلك الحصر والضيق والانحراف وأكل بعضه بعضاً، ويستريح العُصاةُ من دعائه عليهم، وقنوته عليهم، وسؤال الله أن يخسف بهم الأرض ويسلط عليهم البلاء؛ فإنه حينئذ يرى نفسه واحداً منهم، فهو يسأل الله لهم ما يسأله لنفسه، وإذا دعا لنفسه بالتوبة والمغفرة أدخلهم معه؛ فيرجو لهم فوق ما يرجو لنفسه، ويخاف على نفسه أكثر مما يخاف عليهم، فأين هذا من حاله الأولى وهو ناظر إليهم بعين الاحتقار والازدراء لا يجد في قلبه رحمةً لهم ولا دعوة، ولا يرجو لهم نجاةً؟ فالذنب في حق مثل هذا من أعظم أسباب رحمته، مع هذا فيُقيمُ أمر الله فيهم طاعةً لله ورحمةً بهم وإحساناً إليهم إذ هو عين مصلحتهم، لا غلظةً ولا قُوةً ولا فظاظة.


ومنها: أن يخلع صولة الطاعة من قلبه، وينزع عنه رداء الكبر والعظمة الذي ليس له، ويلبس ردءا الذل والانكسار والفقر والفاقة، فلو دامت تلك الصَّولةُ والعزَّة في قلبه لخيف عليه ما هو من أعظم الآفات كما في الحديث:" لو لم تُذنبوا لخفتُ عليكم ما هو أشدُّ من ذلك؛ العُجْبَ"، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

فكم بين آثار العُجْبِ والكبر وصولة الطاعة وبين آثار الذل والانكسار! كما قيل: يا آدم لا تجزع من كأس ذُلٍّ كانت سبب كيسك، فقد استخرج منك داء العُجْبِ، وأُلْبستَ رداء العبودية! يا آدم لا تجزع من قولي لك: اُخرج منها، فلك خلقتُها، ولكن انزل إلى دار المجاهدة وابذر بذر العبودية، فإذا كَمُلَ الزرع واستحصد فتعال فاستوفه.

لا يوحشنَّك ذاك العَتْبُ إنِّ لهُ .... لُطفاً يُريك الرِّضا في حالة الغضب

فبينما هو لابسٌ ثوب الإذلال الذي لا يليقُ بمثله تداركه ربُّهُ برحمته، فنزعهُ عنه، وألبسهُ ثوب الذُّلِّ الذي لا يليق بالعبد غيرهُ فما لبس العبد ثوباً أكمل عليه ولا أحسن ولا أبهى من ثوب العبودية، وهو ثوب المذلَّة الذي لا عزَّ له بغيره.



ومنها: إن لله عز وجل على القلوب أنواعاً من العبودية؛ من الخشية والخوف والإشفاق وتوابعها؛ من المحبة والإنابة وابتغاء الوسيلة إليه وتوابعها.

وهذه العبوديات لها أسبابٌ تهيجها وتبعث عليها، فكل ما قيَّضه الربُّ تعالى لعبده من الأسباب الباعثة على ذلك المهيجة له فهو من أسباب رحمته له، ورُبَّ ذنبٍ قد هاج لصاحبه من الخوف والإشفاق والوجل والإنابة والمحبة والإيثار والفرار إلى الله مالا يهيجهُ له كثير من الطاعات!

وكم من ذنب كان سبباً لاستقامة العبد وفراره إلى الله وبُعده عن طرق الغيِّ! وهو بمنزلة من خلط فأحس بسوء مزاجهِ، وكان عنده أخلاطٌ مزمنةٌ قاتلةٌ وهو لا يشعر بها، فشرب دواءً أزال تلك الأخلاط العفنة التي لو دامت لترامت به إلى الفساد والعطب، وان من تبلغ رحمته ولطفه وبرُّهُ بعبده هذا المبلغ وما هو أعجبُ وألطفُ منهُ لحقيقٌ بان يكون الحبُّ كلُّهُ له، والطَّاعاتُ كلُّها له، وأن يُذكر فلا يُنسى، ويُطاعَ فلا يُعصى ويُشكر فلا يُكفر.

ومنها: أنه يعرِّف العبدُ مقدار نعمته مُعافاته وفضله في توفيقه له وحفظه إياه؛ فإنه من تربَّى في العافية لا يعلمُ ما يُقاسيه المُبتلى، ولا يعرف مقدار النعمة، فلو عرف أهلُ طاعة الله أنَّهُم هم المُنعَمُ عليهم في الحقيقة، وأن لله عليهم من الشُّكر أضعاف ما على غيرهم - وإن توسَّدوا التُّراب ومضغوا الحصى - فهم أهلُ النَّعمة المُطلقة، وأن من خلَّى الله بينهُ وبين معاصيه فقد سقط من عينه، وهان عليه، وان ذلك ليس من كرامته على ربه - وان وسَّع الله عليه في الدنيا ومد له من أسبابها - فإنهم أهل الابتلاء على الحقيقة.

فإذا طالبت العبد نفسُهُ بما تُطالبهُ من الحُظوظ والاقسام وأرتهُ انه في بليَّةُ وضائقةٍ تدَارَكَهُ الله برحمته، وابتلاهُ ببعض الذنوب، فرأى ما كان فيه من المُعافاة والنَّعمة، وأنه لا نسبة لما كان فيه من النعم إلى ما طلبتهُ نفسه من الحُظوظ، فحينئذٍ يكونُ أكثرُ أمانيه وآماله العود إلى حالة وان يُمتعهُ الله بعافيته.

ومنها: أن التَّوبة تُوجبُ للتائب آثاراً عجيبةً من المعاملة التي لا تحصلُ بدونها، فتُوجبُ لهُ من المحبة والرقة واللطف وشكر الله وحمده والرضا عنه عبوديات أُخر، فإنه إذا تاب إلى الله قَبِلَ الله توبته فرتب له على ذلك القبول أنواعاً من النعم لا يهتدي العبدُ لتفاصيلها، بل يزالُ يتقلَّبُ في بركتها وآثارها ما لم يُنقضها ويُفسدها.

ومنها: أن الله سبحانه يُحبَّهُ ويفرحُ بتوبته أعظم فرح؛ وقد تقرر أن الجزاء من جنس العمل؛ فلا ينسى الفرحة التي يظفرُ بها عند التوبة النصوح.

وتأمل كيف تجدُ القلب حياً فرحاً وأنت لا تدري سبب ذلك الفرح ما هو، وهذا أمرٌ لا يُحسُّ به إلا حيُّ القلب، وأما ميَّتُ القلب فإنما يجدُ الفرح عند ظفره بالذنب، ولا يعرفُ فرحاً غيره.

فوازن إذاً بين هذين الفرحين، وانظر ما يُعقبُه فرحُ الظَّفر بالذنب من أنواع الأحزان والهُموم ولغُموم والمصائب؛ فمن يشتري فرحةَ ساعةً بغمِّ الأبد؟

و انظر ما يُعقبُهُ فرحُ الظفر بالطاعة والتوبة النصُوح من الانشراح الدائم، والنعيم، وطيب العيش، ووازن بين هذا وهذا، ثم اختر ما يليق بك ويناسبُك! وكلٌّ يعملُ على شاكلته، وكلُّ امرئٍ يصبو إلى ما يُناسبُه.


يتبع

7
7
[/align]


 
 توقيع : فهد الماجدي


أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة ،
وأن يجعلك مباركاً أينما كنت ، وأن يجعلك ممن إذا أُعطي شكر ، وإذا ابتُلي صبر ، وإذا أذنب استغفر ،
فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة.
موقع سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمة الله
والعلامه محمد امان الجامي رحمه الله
,
« اللهم إنك تسمع كلامي، وترى مكاني، وتعلم سري وعلانيتي، ولا يخفى عليك شيء من أمري، أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق، المقر بذنبه، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، من خضعت لك رقبته، وذل لك جسده، ورغم لك أنفه، اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقيا وكن بي رءوفا رحيما يا خير المسئولين، ويا خير المعطين »

استغفر الله الذي لا اله إلا هو الحي الغيوم واتوب اليه




رد مع اقتباس