عرض مشاركة واحدة
قديم 28-03-2011, 11:23 PM   #2
عبدالرحمن السمين
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية عبدالرحمن السمين
عبدالرحمن السمين غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1823
 تاريخ التسجيل :  Jun 2008
 أخر زيارة : 16-05-2021 (11:03 AM)
 المشاركات : 11,949 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 51659
 الدولهـ
Saudi Arabia
لوني المفضل : Peru




[ 12 - يوليو ]
/

هذا اليوم وعَثاءٌ من الألم اللذيذ , وشهقةً للبكاء لم أرى مثلها في النساء .
أرهقت العجز بقفزةِ من فراشيْ النحيل لأستجمعَ ماأمتصه الألم مني ليلةَ البارحةِ الغبيه .لم يتبقى سوى نصف ساعةٍ فقط ويرتفع الآذان الأول لصلاة الجمعه , ليس لدي الوقت الكافي للقيام بالأعمال التي أود تشطيبها , سأبدأ بالأهم فقط أن كان هناك شيء آخر يستحق التبجيل والطيْ , أفقتُ على كسلٍ عارم وقوايَ تعاني من التوّرم وصمت , صافحتُ تلك القطعة المستطيله التي تدعى ( منشفه ) ثم ذهبت لأسكب الماء البارد على جسدي المتفاقم من شدةِ الإرهاق في مربعٍ صغير يطلقون عليه ( بيت الراحه ) المليئُ بأدوات التنظيف وأشكال متعددة من الأصباغِ والسوائل العطريه والكثير لا أعرف أسماءها , ما أجمل الأحساس بالأنتعاش تحت وطأة الصمت وعبر وسائل التأني , لا يهم فهي طقوسٌ أعتدت عليها منذ وفاةِ وسادتي التي أحبها ولا تحبني .

خرجت جائعاً فليس هناك وقتٌ لشحنِ معدتي بأيِ قطعةِ ولا سائلَ ساخن . والأقسى أن ما يدعى ( المخبز ) مغلق حتى يحين المساء فيتجمهر الكهولة وكبار السن لقضم ما تيسر من الخمائر الدائريه , أسوأ الأشياء أن تحدق في مخارج الأضواء وأنت لا تفقه تعريفاً لها أصلاً , المسجدُ لا يبعد سوى (خمسة أكيال) عن شقتي الموبوءه , سيارتي ساخنةُ من جراء حرارة الشمس, مقاعدها تعاني من الكبت مقودها كثيراً ما يوبخني على قيادتي المتهورة , ولكنه جميل , منسقٌ على هيئةِ (أسورةِ )أنثى لا تتقن الرقص ولكنها تعرف جيداً كيف تثرثر , وحشوته تذكّرني بقطعٍ من الأسفنجِ المتآكل حين تضعه جدتي رحمها الله تحت رأسي كي لا أرتطم بأقرب جدارٍ مائل , سحقاً لغبائي وأنا نائم لا أعرف كيف أتكّور كا الأفعى , كل ما أشعر به هو أني أمارس وضع التمدد كا الأهبل , لا عليكِ جدتي فأنا كثير الجدل قليل الفائدة هكذا تراني صديقتي التي تحب فارسها بجنون ولا ترغب بالزواج منه . وشكراً لسذاجتها .

حين ترجلتُ لأقرر دخولي لذلك الجامع الذي يجتمع به الغالب من رجالاتِ الدينِ والمحافظون على هيئتهم بلباقه تنصلتُ من حذاءي لأخبأها بعيداً عن الماره ولا أضيع وقتي في الحصول عليها حين فرقه , ما أن فتحت الجزء الأسهل من باب المسجد حتى أرتطمتُ بأزيز القرّاء , وخشيتهم وسكينتهم , أنا لا أحصل على هذا دائماً فاالطبولُ تمارس القرع في رأسي كل لحظة وكأنها تنّذرُ الأساطير عن مقتلي القادم , رائحة الأعواد المحترقه التي تدعى ( بخور ) تضج وتعجّ , تستوطنُ الأمكنةَ وتنتشرُ بصورةِ عشوائيه, والجميع منهمكِ في تحصيل ما يصبو إليه من ثواب , أجمل الطقوس تلك التي تمرُ كاالمنبهِ ولا تستقرُ كسائرِ الأحزانِ والعقباتِ المقيمه .!

تضارب الوعظُ وعلا صوت المرشد الذي يعتلي ذلك المكان المرتفع ( المنبر ) جميل المحيّا صارمُ الخطابِ قويُ الحجه ولكنه لا يحفظ فهو يقرأ وهذا ما أستغربه كثيراً . أن يمليِ عليك أحداً نصائحه ولا يهمه تلقيكَ بنوبةِ تأنيب لا يصلح هذا الدرس للحفظ أذاَ .
فرغتُ من صلاةِ الجمعةِ التي تبعث الطمأنينةُ , وتخترق الملل لتستقر طقوسها في ذاتي قبل جمهاتي , وصافحتُ ذلك الأسيويُ الأسمر ( زانقير الهندي ) ليبتسم ويخبرني عن أخر ِ شجارِ حدث بينه وبين عشيقته التي تكبره بعشرة ِ أعوام . ثم ربتُ على كتفه لأقول له كل أنسان يحملُ غباءه بمحضِ أرادته . فلا تقلق ستجدك يوما ما راكضا خلف دراجتك وهي تسير بجانبك , حتى وأن لم تمنحكما الأقدار لذة مضاجعةٍ شرعيه , حاول أيضاً أن لا تفكر ملياً في هذا لأن التفكير في أمور النساء قاتل ويسلب رأسك فروته المنسدله ويصيب ذقنك بالتصحرّ وبعدها لن تجد أنثى تطالع في ( خشتك ) فأبتسمَ وذهب . 

صوتً يخترق رأسي ( ياالشيخ ) تراك مسكرٍ علي بسيارتك أطلع لو سمحت وبنظرةٍ توحي أن هناك ذئاب بشريه تعشق المشاجرة ولا تتقن التأني وتسمح للشرطة ممارسة التحقيق بلا حاجة , حسناً سأفعل ولكن دائما أحلمُ أن أكون طائراً حتى لا يتضجرِ مني بنو البشر , لأني مشاكس كثيراً ولا أتعمد الأذية وجبانٌ جداً في مجابهةِ من يستولي على حقوقي عدا حريتي فعندها أستلّ الجنون واقذف الفضائل وأبصقني كاالسم في وجهِ من يثرثر حتى لا يتطور الأمرُ الى ما لا نهايه , أعرضتُ عنه بكل سخريه وقلت شكراً لك لأنك منحت يديكَ الصبر عن صفعي . 

ثم أمتطيتُ سيارتي المعتوهه لأسير ببطيء , جهاز المسجل صوته رخيم وخافت أدرت الموجه لأستمع لخطبةِ المسجد الحرام في مكة المكرمة ووجهي يعلوه الشحوب وعيناي تكاد تصرخ من خلف ستارةِ نظارتي الضخمه وكأن الشمس تمارس الوخز من كل إتجاه , يااه كم هي جميلةُ تلك الأجواء الروحانيه وما يقتلني هو أنها بعيدةُ عن منطقتي لأقف َ لحظةٌ ليست بالطويلة ولا القصيره بل فرطٌ لم أتب عنه لأجلب صُحفي اليوميه الكثيفه من وسطَ ذلك المتجر المتناثر الذي يشبه ملعبً لكرة السلّه , وكا المعتاد أبذّر في شراء الصحف ولا أهتم لها كثيراً ولكن كي لا أصبحَ معزولا عن العالم الذي يشبه حلبةً لمصارعة الثيران . والأسوأ من ذلك انها تحمل الكثير من الأخبار والأحداث المتضاربه , والغباءَ المقرف لساحاتٍ أشبهُ ما تكون ُ بكرةٍ أسفنجيةٍ يركلها الأطفال وتغفو بها القطط البريه .

الشمسُ حارقه , والسماء عاريه , والأرض وقدةُ من الشحوب , والأرصفه مطابخُ للزيوت , والشوارعُ مكتظةٌ بالمخلوقات . لاشي يغري .عدا علبَ العصائر الفارغه المتناثرةِ في كل زاويه يبدو أن عمّال البلديه لم يكونو جادين هذا اليوم لتمتعهمِ بفسحةِ يوم الجمعه فهو العيد الأكبر للعمَاله كما يُقال , لا أعلم فأنا لا أحب أن أتدخل في شؤون العمّال والدوائر المستطيله , وضوضاء الجهاتِ الحكوميه التي تضجُ برائحةِ القهوة والشاي كل صباح وحتى الظهيره . أغرب الأشياء التي أمقتها إهمال البعض منهم التعامل مع المراجع بكل شفافيةٍ ونبل , كان بوديّ أن أعكف على بحثٍ أتطرق به عن ماذا يلزمنا من وقت كي ننجز الكثير من تكدسِ الأوراق فوق الطاولات المزخرفه حتى نصبح مجتمعاً واعياً لا ساعياً لتحصيل السوالف والتراشق , ولكن تغتصبني عبارة ( دع الخلق للخالق ) على ما ( يقولون ) لأن صوتي لن يصل بل سيتعثر كسائر العجلات المتشققه . 

وصلتُ الى شقتي الفارهه التي توبخني دائما َ لماذا أنتَ بمفردكَ وليس برفقتك شخصُ اخر , فأسخر منها , لأصفعها بأنني أحببتُ الوحدةَ المتمرّده , وأضاجع ضجيج الكتب وأسامر الأموات من الفلاسفه .فهذا عشقي الذي لا صلةَ له بالنساء . ذات مره كنتُ أتنفس بعيداً عن أنبوب الأوكسجين المصلوب بجانبي وبين أصابعي شغبُ ( نزار قباني ) في قصائدة الممنوعة , ( الضوء أحمر ) لا أشعر بشيء ألا أنني أعي تماماً حجم المُصاب الذي أصاب الكثير َ من التواريخ في وفاة ذلك النزار المتمرّد , لم أحضر تأبينه وكان بالنسبةِ لي مقتلٌ آخر وحياكةً تتنصّل منها الحرائر , وشيخوخةً مبكرّة لأحلامي , تئنُ دمشق كثيراً لوفاته , وتزمجر لندن بشارعها الضبابيْ لتوقفِ قلبه في شقتهِ الصغيره , فقد مات نعم مات ولكنه لم يمت في قلوب الكثير من النساء والعاشقين , ربما أنا أقدسهم عشقاً وأغربهم موئلاَ , فكنت أردد كثيراً أن الموت هو الموت بلا تاريخ . يااه كدتُ أن أصابَ بوعكةِ بكاء لولا تماسكِ عينايَ المتدحرجه .


*********

يتبع ,,,,,


,


 
 توقيع : عبدالرحمن السمين



رد مع اقتباس