بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده و اشهد ان لا اله الا هو و اشهد ان محمداً عبده و رسوله و اشهد ان خاتم الأديان
هو الإسلام و أشهد ان عيسى نبي الله و أنه رفعه إليه و أشهد ان الموت حق و النار حق و الجنة
حق و الحساب حق و البعث حق شهادةً لا أرجو من وراءها الا رحمة الله و شفاعة نبيه ..
و بعد..
لقد طال القول و تقاول القوم كلٌ بما وجد و يجد و رأى و يرى و سمع و يسمع و علم و جهل و نقل و اجتهد
و أصاب و أخطأ و مدح و ذم كلٌ بحسب منظوره و حججه و اشتشهاداته, و يبقى في آخر الأمر أن
الإحترام يفرض نفسه و المحبه تسود بذاتها بين الجميع..
أيها الأخوه..
نسأل الله أن يقينا الفتن و أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها و ما بطن.. و إن شر ما استعاذ منه النبي الأكرم
هي الفتنه.. و الفتن تخلط النهار بالليل و السواد و البياض و الحق بالباطل لا يخرج منها سالم و لا يدخل
اليها محظوظ و لا يتعالى عليها الا جاهل مسكين.. الفتنه امتحان من الله, تُذهب العقول و تُعطّل الحق
و تقتل مظلوماً و تحيي ظالماً و العكس بالعكس .. تتشابك فيها كل خيوط و دلائل الحق و الباطل حتى يغتم
على الناس و تذهل العقول و تتلخبط الأوراق..
و الفتنة شهرها مستطير .. و أول فتنةٍ حدثت في الإسلام كانت بين الصحابه حين مات رسولنا عليه
الصلاة و السلام فاختلفوا أين يقبرونه اختلافاً كبيراً كادت ان تؤدي الى كوارث جمّه حتى هداهم الله
الى رأي ابو بكر الصديق بالحديث الذي رواه عن النبي حول أين يدفن الأنبياء..
و من صور الفتن التي يختلط فيها الحق بالحق قتل المسلمين لعثمان بن عفان .. و كذلك اقتتال نفرٌ من
المبشرين بالجنه فيما بينهم في معركة الجمل.. و السلسله في موضوع الفتن تطول و تطول.. و قد كانت
بين أخيار أمة محمد فما بالنا نحن و فتنة القذافي و حربه و موته ..
ففتنته كانت في قطر ٍ من أقطار المسلمين و الحمدلله الذي أبعدها عنا و أنجانا منها فلماذا نذهب اليها
و نفتتن فيها.. نترك أمرها الى الله و نسأل الله لأهل ليبيا الثبات على الحق و أن يبعد خيارهم عن هذه
الفتنه و يقي بلاد المسلمين هناك توابع هذه الفتنه..
أيها الأخوه..
في ما يختص بموضوع ( القذافي ) تولاه الله بما يراه فهو العالم به و بحاله و بمآله.. و بعد مشاورات
مطوّله و استفسارات و بحث و تقصي مع بعض المجتهدين في العلم و بعض المطلعين و بعض المقربين
ربما بعضهم من المرقاب و بعضهم خارج المرقاب بدون تحديد اسماء, لأن الموضوع موضع ( فتنه ) ..
فقد اختلف الناس و اختلف الخيّرين و اختلف طلبة العلم و اختلف المجتمع, كلٌ يرى الحق فيما يراه بحسب
رؤيته و بحسب حججه و بحسب أدلته ..
فهناك من ( كفّر ) هذا الرجل .. و هناك من فسّقه و هناك من مجّده في غير محل استحقاق
للتمجيد و إضفاء صفات عظيمه عليه و انا احدهم ..
و الكل كان على خطأ و الكل مخطئ بحسب ما تقتضيه الشريعه و بحسب ما يقتضيه العقل..
اتفق المتوسّطون من غير المغالين في كرهه و من غير المغالين في صحة موقفه .. اتفقوا على أن
حياة القذافي فتنه و قوله فتنه و عمله فتنه و حربه فتنه و موته فتنه .. اختلط فيه الحق و الباطل..
و اختلطت فيه الحسنه و السيئه.. و امتزج فيه العمل الفاسد و العمل الصالح و تشابكت فيه كل الصفات
الطيبه و الخيّبه على حدٍ سواء.. شخصيه غير ظاهره للعقل و غير بيّنه للتعامل .. نموذج وجوده فسق
و غيابه فسق .. لا يتكل عليه في أمر و لا يُستأمن في خير ٍ و لا شر.. أعماله تضاربت بين ما نفع بها
الإسلام و ما أضر بها الإسلام سواء كانت بقصد ٍ منه او بغير قصد.. كانت له مواقف سياسيه خدمت
الإسلام من غير علم ٍ منه حكمته عليها الظروف السياسيه و كانت له مواقف سياسيه و اقتصاديه
أضرت بالإسلام سواء بقصدٍ او بغير قصد ٍ منه الا انها كانت بسبب الظروف السياسيه التي تعصف
بعقل العاقل فكيف بالمزاجي..
يحمل صفات الذكاء و الدهاء و الخبث و المرواغه و الصدق و الكذب و الأمانه و الخيانه .. و مثل هذا
لا يمكن ان تبرأ به الذمه و لا يمكن أن يستعان به او يتم الإتكال عليه و الإعتماد ..
اختلف المجتمع بين تسميته ( شهيد ) و بين عدم تسميته .. فهناك من ينكر على وجه الإطلاق وصف
أي شخص بصفة ( الشهيد ) حتى لو كان يجاهد دون بيت الله الحرام بنية الجهاد الإسلامي .. فهذه
الصفه لا يمكن لأي أحد أن يطلقها على أي أحد.. و أنها فقط لمن سماهم رسول الله بالشهداء.. لكن
يمكن أن يُسأل الله للمجاهد بالشهيد لكن لا يُسمى شهيداً.. و هذا الرأي سمعته من أحد أعضاء المرقاب
دون تسميه .. و هناك من يرى بأن كل من مات في حرب ٍ تحت لواء الحق فهو شهيد مستنداً الى عدة
أحاديث من أهمها ( من مات غريقاً فهو شهيد و من مات حريقاً فهو شهيد ... الخ الحديث ) و هذا يراه
بعض أعضاء منتدى المرقاب دون ذكر اسم ايضاً..
القذافي و بعد ان تم فتح وصيته كان قد افتتحها بشهادة أن لا إله الا الله و أن محمد رسول الله و أنه
يموت على الإسلام على مذهب أهل السنة و الجماعه ... الخ الوصيه ..
الرجل حارب بإسم الثوره و ليس لإعلاء كلمة الله و بين هذه و الوصيه تضاربٌ عظيم ..
الكثير من الذين ناقشتهم انكروا بشكل تام ان يتم تكفيره نهائياً حتى و إن كفّره من كفّره.. لأن التكفير
مصيبةٌ عظيمه و خطرٌ جسيم على عقيدة المسلم, فالكفر و الإسلام الله وحده الكفيل به .. و هذا الرأي
ذهب به بعض الصالحين و وقفوا عنده .. و في نفس الوقت أنكروا ان يكون شهيداً لأنهم لا يعلمون
حقيقة حربه و نيته..
و لذلك فكلنا كنا على خطأ .. سواء من مجّده مثلي بجهلي عن أمره او من كفّره.. كلنا و الله على
خطأ حتى و إن سمعنا اراءً حوله.. فالمسلم يبعد نفسه عن الشبهات و تكفيره لن ينفعنا بشئ
و قولنا أنه مسلمٌ مجاهد لن يزيدنا شرفاً و رفعه.. كل المتحاورين هنا كانوا مجتهدين و أنا أولهم
لكننا كلنا كنا على خطأ.. و الصواب هو أن ندع أمره الى الله و ان لا نتكلم فيه و أن نبرأ بديننا
و نهرب بعقيدتنا عن أمره و عرضه و ذاته.. لقد أفضى الى ما أفضى اليه و هو خلقٌ من خلق الله
أمره الى الله و الجنة و النار بيد الله ... فابرأوا بأنفسكم و بدينكم و عقيدتكم .. لا تشهدوا له بنار ٍ
او بجنه.. و قد نهانا رسول الله ان نشهد لأحد ٍ بجنةٍ او نار.. و من منا يستطيع ان يتألّا على الله؟
و إبراءً للذمه أمام الله منهم و مني فإننا نقول أننا نبرأ الى الله من الخوض في أمره فهو فتنه سواء
في حياته او في مماته و لا نعلم عنه أمراً و ندع أمره الى الله .. فنحن لا نعلم كيفية خاتمته.. فالمسلم
معلّقٌ بخاتمته و ليس بعمله .. فكم من عابدٍ زاهد ٍ مات على كفر و كم من فاسق ٍ زنديق مات على حسنه ..
لذلك فإن رأيي فيه قد تبدّل و إن الخوض في أمره لا ينفع و قد يؤدي بنا جميعاً الى التهلكه
و إن أمر تكفيره تكفيراً قاطعاً أبرأ الى الله منه لا أكفره و لا امجّده..
و أقول كما يقول الأخيار ( أنه افضى الى ما أفضى اليه , و أن الله العالم بأمره و أمره الى الله,
و أنه فتنةٌ ابتلي بها المسلمين ) ..
و أقول أيضاً بأن الثوار ( أمرهم الى الله و هو الكفيل بهم و العالم بأمرهم لا أؤيدهم على مساعدتهم
الكفار على حرب المسلمين و لا انكر عليهم حربهم ضد القذافي و أمرهم الى الله )
و أقول أيضاً ( أسأل الله لي التبصير و أن يقيني شر الفتن و الخوض في أمرها الا ما ظهر به الحق
و اتفق عليه أولي الأمر و نصح به علماء الأمه )
لا يمكن أن اسلّم نفسي و عقلي الى رأي فلان او رأي فلان .. فالكل متضارب مع الآخر و الكل
يناقض الآخر و الكل له رأيٌ مستقل.. و البقاء مع الجماعه خيرٌ من الخروج عن رأيهم ..
فأنا الى ما اتفق عليه أهل الحل و الربط و لن تأخذني في لومة لائم ..
فوالله لن ينفعني قول فلان أو رأي فلان او معارضة فلان او اتباع الشيخ فلان او معارضة الشيخ فلان..
حتى لو اختلف او اتفق معي أهل المرقاب كلهم.. فاليوم كلٌ يبحث عن براءة نفسه أمام الله, و أنا اجد
براءة نفسي أمام الله في اتباع ولاة الأمر و الطاعة لأهل العلم الثقات و ليس أصحاب الآراء الخاصه..
علماء الأمه هم أصلنا و هم شمعتنا ...
نسأل الله لنا و لكم الخاتمه الحسنه و أن لا يتكلنا الى أعمالنا و أن يجعل خير أيامنا يوم نلقاه و خير
أعمالنا يوم نموت ...
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته...
|