
أبو بكر الدمشقي
لا أعرف من أين أبدأ مقالتي… من تخاذل (وليس عجز) العالم بأجمعه عن إيقاف الحملة الوحشية البربرية التي يقوم بها أخس نظام على وجه الأرض، ضد أبطال شجعان أبوا إلا أن تكون أرواحهم ثمناً لحرية ينعم بها أبناؤهم وإخوانهم، أم من مبادرات عقيمة هزيلة لا تعدو إلا أن تكون بيتاً زجاجياً يريد حكام العرب والمسلمون أن يختبئوا فيه من لعنة الشعوب على موقفهم المخزي من الثورة السورية.
لا يشك عاقلان منصفان في هذه الأيام أن ما يزيد عن 85% من الشعب السوري ينتظر بفارغ الصبر زوال هذا النظام الوحشي الجاثم على صدره، وهو يحاول جاهداً الوصول إلى هذا النصر المبين بأسرع السبل حتى لا يتكبد خسائر بشرية ومادية أكبر، ولكن يا للأسف!! يمكننا القول أن العالم بأجمعه متآمر أو متخاذل على أقل تقدير عن نصرة هذا الشعب المغوار. ولنكن صريحين، كلنا يعلم أن العالم أجمع (أو بمعظمه) متخوف من ذهاب هذا النظام الأسدي، لأنه يعلم جيداً أن لحظة سقوطه هي بداية النهاية لإسرائيل!!
لا نريد تنظيراً وذكراً للمآسي والأحزان، نريد حلولاً عملية لا يمكن رفضها من أي طرف كان، حتى من النظام الأسدي نفسه، وفي نفس الوقت يمكن فرضها من قبل المجتمع الدولي، على الأقل ليحفظ ماء وجهه بعد هذه الفضيحة، التي أعادتنا إلى قصص القرون الوسطى ومجازر المغول والتتار، إن لم يكن الوضع الحالي أكثر فظاعة من تلك الروايات المروعة.
هل هناك طرف يستطيع أن ينكر أن قرار الشعب السوري هو الحكم الفيصل في الأزمة السورية؟! ألا يستطيع المجتمع الدولي أن يقرر بنداً واحداً فقط عن طريق مجلس الأمن، وهو إجراء استفتاء شعبي برقابة دولية نزيهة، مع مشاركة المؤسسات المدنية والمنظمات الحقوقية، وتحت أعين وسائل الإعلام، ليقول الشعب السوري كلمته؟! بل إن هذا الاستفتاء سيفتح المجال أمام “الأغلبية الصامتة” خاصة في دمشق وحلب، أن تقوم بدورها الإيجابي في هذه المرحلة المصيرية من تاريخ سوريا للتخلص من هذا النظام الفاشي الديكتاتوري.
حسناً، أليس التظاهر هو طريقة من طرق تعبير الشعب عن رأيه، ولكن بشكل مكلف بشرياً؟! ألم تصل الأزمة السورية إلى مرحلة انسداد الأفق السياسي، أليس العالم بأجمعه يدعي أنه يرغب بحل سلمي لهذه الأزمة ولا يريد تدخلاً عسكرياً خوفاً من نشوب حرب عالمية ثالثة؟ ألم تصبح هذه القضية مشكلة دولية تبحث عن حل سريع وغير عسكري؟ إنه الاستقتاء الشعبي، هو أفضل طريقة حضارية لمعرفة رأي الشعب في قضية مصيرية، من دون تكلفة بشرية وبشكل يعبر عن طيف أكبر من الشعب بأكمله، ولتكن صيغة الاستفتاء:
“هل أنت موافق على شرعية بشار الأسد ونظامه الحاكم”
ليكن هناك مبادرة بقرار واحد، من دون أي بند آخر يمكن الاختلاف عليه، أو جعله ذريعة لاستخدام الفيتو الروسي أو الصيني، مبادرة ببند واحد فقط: بند إجراء الاستفتاء الشعبي. ألم يتذرع الروس بأنهم استخدموا الفيتو السابق ليفسحوا المجال للشعب السوري أن يحل مشاكله بنفسه!! هل يوجد أحد في العالم يستطيع أن يرفض هذا القرار؟؟
لتكن مهمتكم يا أصدقاء سوريا إن كنتم حقاً أصدقاء للشعب السوري في مؤتمر تونس المقبل في “24 شباط”، بعد تقديم المعونات الإنسانية وإجبار النظام الأسدي على إيقاف حملته الدموية الأخيرة، أن تضعوا ثقلكم الكامل لتمرير مثل هذا القرار عبر مجلس الأمن، لأنني واثق أنه لو مرر، لانتهت الأزمة السورية ولتخلص الشعب السوري الأبي من هذا النظام الوحشي. هذا الحل السلمي الوحيد المتبقي يا سادتنا، هذا إن أردتم فعلاً أن توقفوا حمام الدم اليومي في سوريا الحبيبة، ولكن السؤال هو: هل حقاً يريد العالم إيقاف مجازر النظام الأسدي بحق الشعب السوري؟؟!! هل حقاً هناك إرادة دولية لمساعدة الشعب السوري الجريح؟؟!!
أعلم أن الكثيرين –وقد أكون واحداً منهم- يعتقدون أن هذا النظام لن يزول إلا بقوة عسكرية، ولكن ذلك لا يمنع أبداً من محاولة أخيرة لفرض حل سلمي سريع قد يكون الأخير، خاصة في انعدام رغبة المجتمع الدولي في تنفيذ النموذج الليبي.
نهاية، أقولها لكم وبكل صراحة: أيها المجتمع الدولي، أيها الحكام العرب والمسلمون، إلى كل المؤسسات الحقوقية ومنظمات حقوق الإنسان، إلى كل دعاة الحضارة والتمدن في هذا العالم، سيسجل لكم التاريخ وإلى الأبد!! أنكم رسبتم وبكل جدارة في امتحان الإنسانية… حتى لو أتيتم بكل جيوش الدنيا لتنقذوا الشعب السوري بعد هذه اللحظة، لقد انتهى وقت الامتحان، وسيبقى هذا الرسوب المخزي وصمة عار في جبينكم، وإلى الأبد!!