![]() |
![]() |
![]() |
||
![]() |
![]() |
|
|
![]() |
![]() |
|
|||||||||
|
||||||||||||
|
|
|
|
|
|||||||||
| ..: المرقاب للأدبِ والثّقَافَةِ :.. الشعر الحر - النقد البنّاء - دراسات أدبيّة |
|
|
أدوات الموضوع | ابحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||||||
|
|||||||
|
العكـــــــاااااااااااز !
استعرض المسافات والشوارع ..
تصفح وجوها يعرفها وأخرى ينكرها ، توقف عند وجهٍ غريب ، يعرفه وينكره في آن ! وجه صغير بدا له كالصحراء الواسعة ، قطع مسافاتٍ ليصل إلى عينيه ، وهناك أقسم بأنه ظله الذي لا يفارقه ! ظله الذي يحافظ على حجمه و ألوانه ، ولا يستقل عنه إلا في ذراتٍ مسحوقة من فتات المبادئ التي كانا يتغذيان عليها يوما ! ابتسم وهو يتذكر معلم اللغة العربية وكيف كان يفاضل بينهما ليجد صديقه متفوقا عليه في ( جسم البغال ) ومتخلفا عنه في ( أحلام العصافير ) ! لكنهما كانا يضعان نقطهما الخاصة على حروف المقارنة ليجدا نفسيهما دوما متفوقين على نفسيهما بالسوء المطلق ، سوء الطالع ، سوء الظروف ، سوء القبول لدى الآخرين ، سوء الأمس واليوم والغد ...... وهلّم سوءا ! تنهد .. التفت يسارا كمن يتهرب من شخص يمثل أمامه .. تأفف .. ضغط بإبهامه الأسمر الدقيق بين حاجبيه ، وأخذ يعتصرذاكرته ويتأمل صورا مختزنة مع ذلك الصديق ! لم لم ينسَ ؟! تذكر كيف تم تحديد أماكن إقامتهما .. وتوقف كثيرا عند تنازلاته العديدة : _ كنت تتعلل بكراهيتك الشديدة للحشرات ، ومن ذا يحبها ياسيدي ؟! ماذا وتكره الإزعاج .. فهمت ، طبعا لأنك لاتستطيع النوم تحت وطأة دبيب النمل ، وماذا بعد ؟! نعم عندما تزورني يتعبك الصعود والنزول أسهل ! أحبك .. ولن أسأل أحدا عن صحة كلامك .. يكفي أنك تريد هذا .. لك ماتريد .. سأتمتع بالجناح الأرضي .. وطر أنت للعلوي ! عاد للنظر أمامه .. أحاط ذقنه الصغيرة بيده .. وبدأ بتحسس الشعيرات المتفجرة مؤخرا ، يتحسسها في ذهول ، قفزت إذ ذاك صورة المدرسة من ذاكرته المجهدة إلى مخيلته الأكثر إرهاقا دون أن يقاومها .. فتح عينيه مبهورا .. بابها الأخضر مفتوح على مصراع واحد ، وكرسي البواب دون بواب ، دخل ، اتجه فوراإلى مكتب المدير إثر استدعائه له ، كان خائفا يرتعد ، العرق يتصبب منه ، التلعثم يعلو كلماته ، ومعه دون شك ظله القديم ، لم يدخلا غرفة المدير أبدا ، لم يدخلها إلا مذنب لتلقي العقاب ! كان المدير منهمكا ، لم يقفا طويلا ، وجودهما غير مرغوب فيه ، كانا يصطرعان الحيرة ، ليس جديدا ، لكن أسئلة المدير زادت من حيرتهما كان يسأل عن سبب وجيه لتغيبهما المتزايد ورغبتهما في ترك المدرسة ، كانت المرة الأولى التي يسمع فيها كلمة ( وجيه ) كم فرح بها وشعر بأهمية خاصة ، حيث يفترض المدير إن لديه شيئا وجيها ! تذكر وجه المدير بكامل تفاصيله وتعرجاته ، نظارته ذات الإطار الأسود ومكتبه العريض ، والمهم ذلك الكرسي الدوار ، كم تمنى أن يجلس عليه ، يمرح بالدوران لكنها مسألة بعيدة كملامح المدير ! _ كنت ياسيدي المديرتؤدي واجبك ، سؤال يفرض عليك أن تتقيأه وجواب علي أن أتوسلك به ! وعليّ ألآ أعطلك فوقتك لايسمح بالكثير ! ويعيد سؤال المدير بنبرات الاشمئزاز : _ هل درست قرارك قبل الإقدام عليه ؟! _ لا لم أدرسه ، هل كان ثمة مقرر اسمه دراسة القرار ؟! ثم إنني أغادر المدرسة لئلا أدرس شيئا ! وهل كنت أهرب من دراسة الفقه والحساب لأدرس قراري ؟! مضحك .. كنت خجلا منك وقتها ، ليس منك بالذات - إن أردت الحق - بل من جيشك المخيف ! كرسيك الدوار ، مكتبك الكبير الفارغ ، بالأخص تلك العدسات التي تشنق كل صباح على أذنيك ، كانت تشعرني أنك تعرف كل شيء عن كل شيء ! كنت أحسها تخترقني كالنار، تجعلني أبدو شفافا حتى أنني لاأستطيع إخفاء اتجاهات سير دمي عنك ، ولهذا لم أجب ! لقد كنت أكره الاستيقاظ في الصباح الباكر، أكره مصارعة النوم لعيون المدرسة ، ذلك المجتمع الذي تحسن مسخه في مربعات ومستطيلات ، ماذا كنت تسميها ؟! جدول ، هه ، جدول يتدفق مللا وجمودا ! وتعب تعب ! مرت سنوات عجلى ، عرفت كيف تقذف بهما على الرصيف ! أثقل الحمل تلك السلاسل المعلقة على ظهريهما كمسبحة شيخ دائم التسبيح ! اتخذا من سلم إحدى العمارات مسكنا ، وبنيا جدارا من لحاف قديم اقتسماه فأصبح لأحدهما الجزء الذي كتب فيه ( صباح ) والآخر ( الخير ) وتذكر النقاش الذي دار بينهما ، أيهما يحظى ( بصباح ) وكيف أنه تنازل لظله متذرعا برغبته في الحفاظ علىوقار المكان الأكثر ارتيادا ! مرت على عينيه وأذنيه تأففات السكان ! ألقى نظرة على كرة قديمة يستخدمها كوسادة ، وتذكر حلمه الطفولي باللعب بالكرة كأطفال الشارع الذي أضاعا فيه الطفولة ، وكيف أنه لم يسمح له بركل الكرة إلاعندما تبتعد لإعادتها فقط ! وعندما دهست الكرة ورماها اللاعبون ملآها بالجرائد ولعبا بها ! أغمض عينيه قليلا ثم امتعض مقشعرا كمن يتجرع الحنظل ، تذكر كيف هوى صديقه من السلم فكسرت يده ورجله ، سد أذنيه لئلا يسمع دوي السقطة ثانية ، فتح عينيه ، تساءل : _هل أصيبت معدته أيضا ؟! لماذا يرفض ماأقدمه من طعام ؟! لقد قدمت ماأمكنني ، أبدلته مكاني لعدم قدرته على الصعود ! وقرر زيارته والتخفيف من حزنه فنزل إليه ، وإذا بصاحب الشقة العلوية ينزل أيضا ، فوجئ بأن كليهما يقصد صديقه ، تراجع ، رأى الجار يخص صديقه بصحن ورقي كان يحمله ، فأجاب على تساؤله وعاد أدراجه ! في الصباح أراد الخروج لمسح السيارات كالمعتاد ، تكرر موقف البارحة مع جار آخر ! وعندما خرج تلقفته الأسئلة عن زميله المكسور الذي أصبح لايمشي إلا بعكاز ! الكثيرون شعروا بالحسرة والمرارة على ذلك الشاب المكسور ! راقه الأمر ! رأى في أعينهم عطفا مارآه من قبل ! اكتشف شهرة زميله وتعاطف الناس معه ، أصبحوا ينادونه باسمه ، تساءل : _ كيف عرفوه ؟! فرح بالوظيفة التي حظي بها صديقه ، بوابا لمدرسة أحد الجيران ! تقاطرت في حلقه أمطار من المرارة الجديدة ، غص بعبرته ، تسلقت دمعة صافية سلم رموشه ورمت نفسها على الأرض مباشرة ، دون أن ترسم مسارها على خده الكالح ،ابتلع ريقه ، صرخ دون صوت ، ضرب الأرض برجله : _ لماذا كل هذا ؟! كره البقاء في الشارع أكثر .. ركض إلى البيت واطئا - دون شعور - على أثر دمعته على الأرض .. ركض كمن يطارده عدو شرس ..صعد بسرعة وضجة .. جلس .. يستعرض المسافات والشوارع .. يتصفح وجوها يعرفها وأخرى ينكرها .. وقف : _ إليك بقراري المدروس ياحضرة المدير.. أغمض عينيه .. ركض باتجاه السلم !! |
| العلامات المرجعية |
| يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|
![]() |
![]() |