ابن حوقان عمدة الشعر وصوته القادم من جبال السراة

ابن حوقان عمدة الشعر وصوته القادم من جبال السراة

لم يكتسب الشاعر محمد بن حوقان شعبيته في ساحات الشعر من فراغ ، بل كان ذلك مبررا بمبررات اجتمعت في شخص ابن حوقان عندما تفرقت في كثير من الشعراء ، وذلك حينما تميز في ساحات العرضة الجنوبية حتى أصبح من رموز هذا الفن في الوقت الراهن ، مكتسبا ذلك التميز بتعدد مواهبه الشعرية بدأ من الشاعرية الفذة التي ورثها عن والده حوقان - رحمه الله - ، شاعرية مخضبة بالإبداع الفني واللغوي ، فهو عندما يصوغ البيت في ساحات العرضة يغلفه بثوب أنيق ينتزعه من دلالة تاريخية أو جغرافية ، أو اجتماعية ، أو دينية ، ليضيف للبيت لمسة جمالية لا تتهيأ غالبا إلا له ، لأنها ماركة مسجلة باسمة .
يقول في أحدى قصائده في ساحات العرضة عندما يوظف ثقافته التاريخية ويسقطها على المعنى الذي يريده :
اشتبك حد السيوف وقامت الفتنه على جسّاس
ثارت الحرب الضروس وفرّقت فرسان بكر وتغلب
كانت اطول معركه بأسباب مقتل سّيد الحيين
كانت الدنيا سوادٍ في سوادٍ وظلمةٍ في ظلما
ما تشوف إلا بـريق السيف واصوات الحدايلي
كانت الرايات رايات التحدي والشّرف والهيبه
كانت الحربين حرب السيطره والهيمنه والباس
يومها كان المهلهل فارسٍ ما ينطح الا فارس
يومها كان المهلهل سّيد الشجعان والفرسان
بعدما كانت رحاة الحرب تطحن واحد بالثاني
شبها جسّاس يبغاها لغيره واحترق بها
وقد زاد من قوة شاعريته وتمكنه من أدواته الشعرية إجادته للأسلوب الساخر اللاذع والذي لا يجيده إلا شاعر يمتلك موهبة قوية ..

ليتني عند المساكين النصارى يوم ابوهم مات
اما غيرت الاسامي من ولد حوقان الي يوحنا
والا قمت انشد لهم بعض الاغاني مثل بابا فين
ومما يجعل ابن حوقان شاعر ناجح بكل حالته إجادته التامة وحرفنته في توجيه البدع للشاعر المقابل ، وهي سمة ورثها من أبيه حوقان – رحمه الله – كما هي ..
البدع / ابن حوقان :
يا مصور هات صوره وحط بها كلوز
لا تغير لون وجه الهريري لو زمر
احكم الصوره ولا تبعد الاحماض منها
لا تغير منظرتها ولا حمضيهافيرد الشاعر عبد الله البيضاني بتميز مثلما كان البدع متميزا وموجها بشكل رائع :
يا محمد ليت لي البر الاحمر ولك لوز
لوز من عند أهل جافان ما هو بلوز مر
ابتعد لا كان راع المصالح ما ضمنها
لا تتيهك الكهارب ولا حمي ضيها

ومما يجعله كذلك متميزا في ساحات العرضة قدرته العجيبة على نقض الأبيات وتوظيفها لصالحه معتمداً على سرعة البديهة والثقافة الواسعة ، ومن ذلك عندما وجه له ابن عزيز بيت لاذع كان من المفروض أن يقلل من شأن ابن حوقان ، ولكن ابن حوقان وظف ذلك لصالحه في حرفية وموضوعية متميزة :
البدع/ ابن عزيز :
المراجل صادها من عشقها وقت صاد
وانت قدوتنا الذي طول عمره ما عدل
من كبر جسمه يسوى لبيته كانفين
وانا ما شبهت في قامته ميتين قامه
ضايق السكه على الناس وانوى ضيرها
الرد / ابن خفير :
ما حلا لا كان للقول وزنٍ واقتصاد
الذي يحكم لنفسه حقيقه ما عدل
والصديق اللي نقدّر مقامه كان فين
ما جيتي يا كلمتي غدر ما جيتي نقامه
شمسنا تسقُط على العين ونواظيرها
البدع / محمد بن حوقان :
أنا جدي كان طالوت مندوب الجهاد
والله أوفاني في الجسم وأعطاني عقل
يا طلايع قوم ياجوج يوم بغى يبين
وش يقيم النايم اللي تكدر في منامه
يا ورود أضغاث الأحلام يا تصديرها
الرد / عبد الواحد :
يا محمد لا تقِلّ العزيمه والجهاد
إبلٍ فالذود وإلا نخيلٍ فالعُقَل
أشفق الحضّار لا يحسدون الغايبين
لا تصّدر بعض الارزاق يا مير المنامه
والله إني ما جبرتك على تصديرها
وابن حوقان لا يقتصر إبداعه على ما قلت سابقا بل يتعدى إلى قوته في فتل المعنى ، وإجادته في حله ، وكسر الحلقات المبهمة في سلسلة المعاني بحرفية وقدرة عجيبة .
وبعد أن أجاد فن العرضة وأصبح رقما لا يمكن تجاهله بأي حال من الأحوال هاهو يحلق الآن في سماء القلطة لينتزع إعجاب الشعراء والجماهير على حد سواء ، فصوته الجبلي ومعانيه الرنانة ، وأسلوبه الساحر في نظم الأبيات جعله يتربع مع شعراء القلطة المتميزين على قمة هذا الفن بكل جدارة واستحقاق ..
ومن تلك المحاورات النارية والمتميزة ، تلك التي كانت مع الشاعر صياف – رحمه الله – والتي يقول فيها ابن حوقان :
هلا يا مرحبا يا الشايب اللي ما فناه الشيب
أنا من ند ورعانه وهو من ند ورعاني
فيرد عليه صياف في بيت آخر :

تقول الريب قبل الشك وثر الشك قبل الريب
عسى ربٍ يميتك مالكي يبعثك زهراني
ومن ذلك قول :
سعيد الشهيب العتيبي :
هلا يا مرحبا ترحيبةٍ في حفلة الاشراف
عدد وبل السحاب اللي بروقه في مناشيها
ابن حوقان :
على اسم الله بدينا منزل الانفال والاعراف
ولا يشهد على نور النجوم إلا مباديها
أقولالشاعر سعيد الفهري له :
الضحايا كم عددهم يـا سـواق التبيـس
الحمامه مـا قطـع راسهـا الا طوقهـا
الفرح والبشت الابيض نصيبك يا عريس
اماريق البنـت يحـرم عليـك تذوقهـا
ابــــن حــوقـــان :
ما خبرت الذئب يا كل من الصيد الفطيس
من قبض عالجمر لازم يذوق حروقهـا
والغزل ولا زمانـه مـع ليلـى وقيـس
وانتهى حـب العشيقـة مـع معشوقهـا
وهنا تتجلى قدرة ابن حوقان على النقض ، والتعامل مع شعر المحاورة بوتيرة قوية شأنها شان العرضة الجنوبية في معانيها وطروقها .
ومما يزيد ابن حوقان توهجا إجادته لفن النظم وباقتدار وتميز فقصائده تحفة أدبية يتلهف على سماعها الجماهير بحبكته الأنيقة والجذابة ، وبرصانته المعهودة ، وأسلوبه السهل الممتنع ، فهو في الوجد قطرة من ندى تنساب على ورقة الخريف :
يا حبيبي لو طلبت الحظ ماخيب رجايه
مقتدر من زاويه .. مغلوب من عدة زوايا
يا حبيبي ما قدرت اشوف وجهي بالمرايه
مدري العمر انتصف وإلا أنت سويت السوايا
اعتبر حبي لك اكبر مشكله واعظم جنايه
أو خطيه تنحسب عندي من اسياد الخطايا
فالك العمر الطويل وبـاقي الأيام جايه
وش تبي من شاعر مهموم وجروحه بقايا
هذا انا والخافي المدفون الى مالا نهايه
لاتحاول تكشف المستور وتبان الخفايا
وفي الحقيقة أن ابن حوقان شاعر فريد اجتمع فيه ما تفرق في شعراء كثر ، وبذلك يستحق لقب عمدة الشعر قلبا وقالبا ..