سلسلة ثقافات نفقدها (1)

السلام عليكم ورحمة الله .. تقبل الله طاعاتكم ورزقنا واياكم العتق من النيران في هذا الشهر الكريم ..

هذا اول مواضيعي في منتديات المرقاب التي اتشرف بأن اكون احد اعضاءها ومنسوبيها .. الكل يعلم بأن شهر رمضان هو شهر الرحمة وشهر التقارب .. ونسيان حظوظ النفس .. والعفو والصفح .. مع كل من أخطأ علينا او اخطأنا عليه .. سأتحدث معكم في هذا المتصفح سوية عن ثقافة نحن احوج مانكون اليها في هذا الزمن .. بعد ان اختلط الحابل بالنابل .. وطغت علينا الحياة المدنية بكل اشكالها وانواعها .. حتى اخذنا حسنها وسيئها .. ولم نفرق بينها .. وسيطرت على ارواحنا الماديات .. واصبح ايماننا بالغيبيات ايمانا متوارثا .. كأننا ورثناه عن آبائنا وامهاتنا .. واصبحنا كما قال الاول ( انا وجدنا ابائنا على ملة وانا على اثارهم مهتدون ) .. ثقافة هي قمة في السمو .. وقمة في الصفاء .. وقمة في العطاء .. لا يعمل بها الا من نسي حظ نفسه واشتغل لامته ..

ذكر ابن خلدون في مقدمته الشهيرة ان الانسان عبارة عن ثقافات وتراكيب معلوماتية تكون شخصيته وتساعد في بناءها .. واليوم حديثنا ان شاء الله عن اول هذه الثقافات المفقودة للاسف في مجتمعاتنا العربية والاسلامية ..
في العالم ككل .. وفي المجتمعات العربية بالخصوص .. سيطرت علينا ثقافة الانتقام .. ونسينا ثقافة الاختلاف .. الاختلاف الذي قال فيه رب العزة والجلال ( ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم )
لو كان الناس امة واحدة ولم يكونوا مختلفين في اذواقهم .. في لباسهم .. في مأكلهم ومشربهم وملبسهم في كل شي .. لاصبحت الحياة مملة .. ولم يكن لها طعم .. لان طعم الحياة الاختلاف .. وتبادل المنافع والافكار .. واخذ الصالح .. ونبذ السيئ ..
ان الاسلام لم يامرنا ان نعتزل في بيوتنا ونترك الدنيا .. كما يفعل بعض المتصوفة الجهلة .. ونخاف من كل شي .. بل امرنا بالسعي في الارض والضرب فيها ونشر الدين بحسن الخلق وبالمعاملة الحسنة ..

لكن مانراه في اخر الازمنة من نبذ المخالف لنا في امر فرعي بسيط .. سواء كان فقهيا .. ام فكريا .. ام ثقافيا .. فقط لانه يخالفنا في امر فرعي .. هنا تكمن المشكلة .. لماذا لايصبح عندنا قانون مفاده :
انا وانت نختلف لنتفق .. نتعاون لنتطور .. نعطي لننتج ..
لعله ان يكون مع صاحبك بعض الحق ومعك بعضه .. في اتحادكم قوة لرايكم .. وفي نقاشكم حل لمشكلتكم .. اما ان يأنف كل منكم عن الاخر .. فقط لانه يظن ان الحق معه والصواب بيده .. وان الخطأ كل الخطأ مع خصمه .. هذا ليس من اخلاق المؤمن ..
نقطة بسيطة احب ان انوه عليها .. هناك فرق بين الخلاف والاختلاف .. ولو تشابهوا في الالفاظ وانتم اعلم مني .. صحيح انه يشرح كل منهم الاخر عند غياب الاول .. لكنه عند اجتماعهما يختلف معناهما كل الاختلاف .. الاختلاف يكون في امر فرعي .. لا يسبب الشقاق .. اما الخلاف فهو الذي لايمكن ان يحصل معه اتفاق .. كمثل الخلاف بين الاسلام والكفر .. بين الايمان والالحاد .. والامثلة كثر

ختاما .. سأضرب لكم مثالا واحدا من سيرة كبار علماء هذا العصر الذين نحسبهم والله حسيبهم ولانزكيهم على الله ممن افنى عمره في خدمة دين الله وكتابه ونصر الامة ونشر العلم والذب عن حياض السنة .. هم ثلاث كالاقمار في زمننا هذا .. ولو كان القمر واحدا .. هم ائمة العصر :
1- عبدالعزيز بن عبدالله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية وهو اشهر من ان يعرف رحمه الله المولود عام 1331 هـ والمتوفى عام 1420 هـ
2- محمد ناصر الدين الالباني امام الحديث ومجدد العصر على رأي غالبية علماء هذا العصر واولهم سماحة الشيخ ابن باز المولود عام 1333هـ والمتوفى في سنة وفاة العلماء 1420هـ
3- محمد بن صالح العثيمين الفقيه العالم الزاهد العابد المولود عام 1347 هـ والمتوفى عام 1420 هـ

يروي هذه القصة فضيلة شيخنا محمد حسان .. وقبل ان اسرد لكم القصة .. اخبركم بالمراد منها..
كان هناك خلاف قديم وقوي بين سماحة الشيخ محمد الالباني ومشايخ السعودية في اكثر المسائل الفقهية وكلها عن اجتهاد .. وبعد نظر .. ففي الحجاب خلافهم معلوم .. وفي مسألة دخول القوات الامريكية ايام حرب الخليج خلافهم مشهور .. وفي مسألة التصوير الخلاف واضح .. وكلها عن اجتهاد وعن علم .. فمن اصاب منهم كان له اجران ومن اخطا كان له اجر ومغفور له خطاه باجتهاده ..وقد جمعها فضيلة شيخنا الدكتور سعد البريك في كتاب جميل متوسط الحجم بعنوان اختلافات الائمة ابن باز وابن عثيمين والالباني .. انصحكم باقتنائه ..

وكان هناك اناس ممن ينتسبون الى العلم ولم يتأدبوا بأدبه ويتخلقوا بخلقه ويكتسبوا روحه .. ينقلون الكلام والنميمة بين سماحة الشيخ ابن باز وبين الشيخ الالباني .. فيقول احدهم للشيخ الالباني .. ياشيخ محمد ابن باز يتكلم فيك ويقدح في عقيدتك ( ركزوا على تجريدهم الشيخ ابن باز من اقل حقوقه وهي كلمة شيخ )
ويذهب الاخرون الى الشيخ ابن باز ويسالونه في سؤال ملغم يقصدون منه ان يقدح الشيخ ابن باز في عقيدة الشيخ الالباني ويطيرون بهذا القدح في انحاء المعمورة لحاجات في انفسهم .. فيسالونه عن عقيدة الشيخ الالباني ويتهمونه بالارجاء فيعود عليهم الشيخ ابن باز كالاسد الهصور .. ويدافع عن اخيه ويقول من يتهم الشيخ ناصر بالارجاء هو المرجئ ..
نعود الى قصة المشايخ مع بعضهم في حج عام 1409 التي رواها الشيخ محمد حسان حفظه الله
يقول الشيخ : كنا في حج 1409 وكان المشايخ الثلاثة متواجدون في احد المخيمات في يوم عرفة للاجابة عن اسئلة المستفتين ونحن مجتمعين امامهم في الضحى .. نتامل في وجوههم التي ملاها الله ايمانا فملأ الله قلوبنا بحبهم .. فكان اذا جاء سؤال في العقيدة تصدى له الشيخ ابن باز بحججه الدامغة .. واذا اتى سؤال في الحديث انبرى له الشيخ الالباني ليحكم عليه بالصحة او الضعف او العلة مما علمه الله .. واذا وصل سؤال في الفقه توجه له الشيخ محمد بن عثيمين ليفكك المسألة ويحلل عسيرها ويجيب عنها .. ونحن كلنا في ترقب من سيصلي بنا الظهر .. حتى اذا اذن المؤذن ايذانا بدخول وقت الظهر .. واستعد الجميع للصلاة .. قال الشيخ الالباني للشيخ ابن باز تقدم ياشيخ .. قال الشيخ ابن باز .. وتاملوا معي في هذه الجملة .. لا ياشيخ انت تقدم انت شيخنا كلنا في القرآن سواء وانت اعلمنا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم قال الشيخ الالباني بعد ان تقدم وامرهم بالاستواء قال اصلي فيكم صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم ؟.
قال الشيخ ابن باز علمنا ياشيخ محمد كيف كان يصلي الرسول صلى الله عليه وسلم

الله ابن باز يقول انت شيخنا وعلمنا .. اين نحن من هذه الاخلاق .. اردت ان اضرب لكم امثلة من الوقت المعاصر ومن اناس عاشوا بين ظهرانينا حتى لا يدعي من يدعي ويقول انى لنا بمثل عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ..

اتمنى ان تشاركوني النقاش .. كيف نكسب هذه الثقافة وكيف نطورها .. واتمنى اني وفقت في اول موضوع في منتديات المرقاب .. وفي مكانه الصحيح .. وشكرا لكم ..